دار الحكمة في 04 أكتوبر, 2011
أود أن أقول أن القرآن الكريم هو المصدر الوحيد الذي يشير إشارات ذات مغزى إلى الفترة التي قضاها بنو إسرائيل في مصر منذ دخولهم وحتى خروجهم، مثل قصة قارون وهي قصة قرآنية خالصة، ولم يرد لقارون هذا أي ذكر في التوراة مطلقًا، على الرغم من أن تركيب اسمه يظهر أنه اسم عبراني سامي، مثل (هارون)، حيث يظهر الحرف الساكن ووراءه متحرك بالتتابع الذي هو من خصائص اللغات السامية، ويخالف في تركيبه أسلوب التسميات الفرعونية.
يقول تعالى في قصة قارون (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم، وأتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين، قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون، فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم، وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون، فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون والله وما كان من المنتصرين، وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون، تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) (سورة القصص: 83).
وتلك الآيات تشير إلى مدى الاستعلاء والصلف الذي مارسه حكام اليهود ضد المصريين، بل وضد الشعب اليهودي نفسه، ومدى تسلطهم على المقدرات الاقتصادية للبلاد، وتشير أيضًا إلى محاولة هذا الثري المتغطرس (قارون) التشبه بالفراعنه في المراكب والزينة وخلافه، كما مارس أيضًا قدرًا كبيرًا من الظلم والاستعباد تجاه بني إسرائيل أنفسهم في منطقته الخاصة به، كما تشير إلى تواجده زمانيًا في فترة موسى نفسه، كما تشير الآيات القرآنية إلى أسلوب القضاء عليه بمعجزة إلهية هي الخسف، والتي تختلف كلية عن الأسلوب الذي تم القضاء به على فرعون وهامان بالغرق أثناء محاولة تتبع بني إسرائيل.
وقال تعالى في محكم آياته: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين، يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) (المائدة: 21).
والعارف بالتاريخ قد يتساءل: كيف يقول موسى لقومه (وجعلكم ملوكًا) وهم لا يزالون بعد في برية التيه، وقبل دخولهم الأراضي الفلسطينية، وقبل تنصيب أي ملك إسرائيلي؟
من المعلوم أن بني إسرائيل كانوا يعتبرون الله هو ملكهم، وهكذا فبعد قيادة موسى ثم يشوع بن نون لهم، تولى حكمهم من يسمون (القضاة) لفترة زمنية طويلة، وكان أول ملك تم تنصيبه عليهم هو (طالوت) في مرحلة زمنية متأخرة، وهو المعروف في التوراة باسم (شاول)، وعن هذه الحادثة يقول تعالى: (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم والله عليهم بالظالمين، وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم، وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) (سورة البقرة: 246-248).
إذًا والحال هكذا فما معنى أن يقول لهم موسى مذكرًا بآيات الله السابقة، أي في الماضي (وجعلكم ملوكًا)؟ بينما لم يُتوَّج عليهم ملك إلا في زمان متأخر جدًا عن ذلك يصفه القرآن الكريم (من بعد موسى)، وهذا النبي هو صموئيل الأول من قضاة بني إسرائيل. والذي قالت التوراة فيه على لسان الرب [فقال الرب لصموئيل: «اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك؛ لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم] (صموئيل الأول 8 :7).
والتفسير الوحيد لتلك الأحجية هو أن الله تعالى جعل منهم ملوكًا في الفترة السابقة لموسى وقبل خروجهم من مصر، أي أثناء إقامتهم في مصر بعد دخولهم على يد يوسف عليه السلام، حيث إنهم لم يكونوا شيئًا على الإطلاق قبل ذلك.
وأيضًا فإن محاولة تشبه بني إسرائيل بالمصريين ومحاولة تقليدهم، فهي واضحة أيضًا في القرآن الكريم وخاصة في قصة العِجْل الذهبي الذي صنعوه ليعبدوه وهو يماثل المعبود المصري تمامًا من حيث الشكل والنوعية، وهو (أبيس) عِجْل البحر. والذي اختلق ملك الهكسوس بسببه الحجج كي يحارب ملك طيبة، بأن صوت هذا العِجْل الذي يعيش في نهر النيل، والذي هو على بعد مئات الأميال من عاصمة الهكسوس (أواريس) في شرق الدلتا، يزعجه ويقض مضجعه، مما أعده ملك طيبة والمصريون إهانة لهم، وهذا بالتأكيد لقدسية هذا العِجْل الضخم ذي الصوت العالي المُدوِّ، فهبَّ ملك طيبة لمحاربة الهكسوس، وظلت الحرب مستعرة بينهم لسنوات طوال، حتى تولى الملك أحمس الأول مقاليد الحكم، وقام بطردهم من مصر بأكملهم عدا شرذمة قليلة منهم من هنا ومن هناك.
ومن المدهش أن الألفاظ القرآنية في قصة العجل الذهبي، تشير أنه لم يكن عجلاً عاديًا، بل هو عجل البحر معبود المصريين، حيث قال تعالى: (عجلاً جسدًا له خوار) (الأعراف: 148)، وقوله تعالى: (قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدًا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفًا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا) (طه: 97)، وقال تعالى: (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) (البقرة: 93).
فهذا العجل هو الحيوان الذي (له خوار) مُدوٍّ يصم الآذان، وهو ضخم جدًا (جسدًا)، وتشير إليه أيضًا لفظة (اليم) و (وأشربوا) واللتان تصوران لنا هذا العجل وسط الماء.
* * *
عمومًا فإنه من المحير أن نطرح هذا السؤال الآن بعد كل المعطيات السابقة والتي تدلل على أن اليهود هم الهكسوس أنفسهم:
لماذا تنصّل كهنة اليهود كاتبو التوراة من تلك الحقيقة وأعدوها شيئًا مرعبًا فدبروا كل تلك المؤامرات التاريخية التحريفية، والتي لابد أنها قد استغرقت منهم جهدًا وفكرًا وتخطيطًا طويلاً ومنظمًا في الوقت نفسه؟
وللحديث بقية
أود أن أقول أن القرآن الكريم هو المصدر الوحيد الذي يشير إشارات ذات مغزى إلى الفترة التي قضاها بنو إسرائيل في مصر منذ دخولهم وحتى خروجهم، مثل قصة قارون وهي قصة قرآنية خالصة، ولم يرد لقارون هذا أي ذكر في التوراة مطلقًا، على الرغم من أن تركيب اسمه يظهر أنه اسم عبراني سامي، مثل (هارون)، حيث يظهر الحرف الساكن ووراءه متحرك بالتتابع الذي هو من خصائص اللغات السامية، ويخالف في تركيبه أسلوب التسميات الفرعونية.
يقول تعالى في قصة قارون (إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم، وأتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين، قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون، فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم، وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون، فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون والله وما كان من المنتصرين، وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون، تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) (سورة القصص: 83).
وتلك الآيات تشير إلى مدى الاستعلاء والصلف الذي مارسه حكام اليهود ضد المصريين، بل وضد الشعب اليهودي نفسه، ومدى تسلطهم على المقدرات الاقتصادية للبلاد، وتشير أيضًا إلى محاولة هذا الثري المتغطرس (قارون) التشبه بالفراعنه في المراكب والزينة وخلافه، كما مارس أيضًا قدرًا كبيرًا من الظلم والاستعباد تجاه بني إسرائيل أنفسهم في منطقته الخاصة به، كما تشير إلى تواجده زمانيًا في فترة موسى نفسه، كما تشير الآيات القرآنية إلى أسلوب القضاء عليه بمعجزة إلهية هي الخسف، والتي تختلف كلية عن الأسلوب الذي تم القضاء به على فرعون وهامان بالغرق أثناء محاولة تتبع بني إسرائيل.
وقال تعالى في محكم آياته: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين، يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) (المائدة: 21).
والعارف بالتاريخ قد يتساءل: كيف يقول موسى لقومه (وجعلكم ملوكًا) وهم لا يزالون بعد في برية التيه، وقبل دخولهم الأراضي الفلسطينية، وقبل تنصيب أي ملك إسرائيلي؟
من المعلوم أن بني إسرائيل كانوا يعتبرون الله هو ملكهم، وهكذا فبعد قيادة موسى ثم يشوع بن نون لهم، تولى حكمهم من يسمون (القضاة) لفترة زمنية طويلة، وكان أول ملك تم تنصيبه عليهم هو (طالوت) في مرحلة زمنية متأخرة، وهو المعروف في التوراة باسم (شاول)، وعن هذه الحادثة يقول تعالى: (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم والله عليهم بالظالمين، وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكًا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم، وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) (سورة البقرة: 246-248).
إذًا والحال هكذا فما معنى أن يقول لهم موسى مذكرًا بآيات الله السابقة، أي في الماضي (وجعلكم ملوكًا)؟ بينما لم يُتوَّج عليهم ملك إلا في زمان متأخر جدًا عن ذلك يصفه القرآن الكريم (من بعد موسى)، وهذا النبي هو صموئيل الأول من قضاة بني إسرائيل. والذي قالت التوراة فيه على لسان الرب [فقال الرب لصموئيل: «اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك؛ لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم] (صموئيل الأول 8 :7).
والتفسير الوحيد لتلك الأحجية هو أن الله تعالى جعل منهم ملوكًا في الفترة السابقة لموسى وقبل خروجهم من مصر، أي أثناء إقامتهم في مصر بعد دخولهم على يد يوسف عليه السلام، حيث إنهم لم يكونوا شيئًا على الإطلاق قبل ذلك.
وأيضًا فإن محاولة تشبه بني إسرائيل بالمصريين ومحاولة تقليدهم، فهي واضحة أيضًا في القرآن الكريم وخاصة في قصة العِجْل الذهبي الذي صنعوه ليعبدوه وهو يماثل المعبود المصري تمامًا من حيث الشكل والنوعية، وهو (أبيس) عِجْل البحر. والذي اختلق ملك الهكسوس بسببه الحجج كي يحارب ملك طيبة، بأن صوت هذا العِجْل الذي يعيش في نهر النيل، والذي هو على بعد مئات الأميال من عاصمة الهكسوس (أواريس) في شرق الدلتا، يزعجه ويقض مضجعه، مما أعده ملك طيبة والمصريون إهانة لهم، وهذا بالتأكيد لقدسية هذا العِجْل الضخم ذي الصوت العالي المُدوِّ، فهبَّ ملك طيبة لمحاربة الهكسوس، وظلت الحرب مستعرة بينهم لسنوات طوال، حتى تولى الملك أحمس الأول مقاليد الحكم، وقام بطردهم من مصر بأكملهم عدا شرذمة قليلة منهم من هنا ومن هناك.
ومن المدهش أن الألفاظ القرآنية في قصة العجل الذهبي، تشير أنه لم يكن عجلاً عاديًا، بل هو عجل البحر معبود المصريين، حيث قال تعالى: (عجلاً جسدًا له خوار) (الأعراف: 148)، وقوله تعالى: (قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدًا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفًا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا) (طه: 97)، وقال تعالى: (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) (البقرة: 93).
فهذا العجل هو الحيوان الذي (له خوار) مُدوٍّ يصم الآذان، وهو ضخم جدًا (جسدًا)، وتشير إليه أيضًا لفظة (اليم) و (وأشربوا) واللتان تصوران لنا هذا العجل وسط الماء.
* * *
عمومًا فإنه من المحير أن نطرح هذا السؤال الآن بعد كل المعطيات السابقة والتي تدلل على أن اليهود هم الهكسوس أنفسهم:
لماذا تنصّل كهنة اليهود كاتبو التوراة من تلك الحقيقة وأعدوها شيئًا مرعبًا فدبروا كل تلك المؤامرات التاريخية التحريفية، والتي لابد أنها قد استغرقت منهم جهدًا وفكرًا وتخطيطًا طويلاً ومنظمًا في الوقت نفسه؟
وللحديث بقية