الســـب والشتم
في الحقيقة السب والشتم آفة سيئة من آفات الكلام!، حتى أن السب و الشتم يحبط الأعمال الصالحة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتدرون ما المفلس ؟ "، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع ؛ فقال: " إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا . وأكل مال هذا . وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار " . رواه مسلم
قد تتعرض مرة إلى موقف تشتم فيه، أو تسب فيه ، فيفضل لك أن تسكت، وهو خير لك، فلا يؤخذ عليك لا خير ولا شر، ولا داعي لأن تحتج بأنه قد تتهم بالجبن إن لم ترد!
قد يكون جائزا أن تكون قادرا على الرد فترد، و لكن الرائع جدا أن تكون قادرا على الرد فلا ترد!!!، جرب ذلك بنفسك إن شئت، و سترى النتيجة !!! .
عن سعيد بن المسيب أنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أصحابه وقع رجل بأبي بكر فآذاه فصمت عنه أبو بكر ثم آذاه الثانية فصمت عنه أبو بكر ثم آذاه الثالثة فانتصر منه أبو بكر فقام رسول الله حين انتصر أبو بكر فقال أبو بكر أوجدت علي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل ملك من السماء يكذبه بما قال لك فلما انتصرت وقع الشيطان فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان .
وقال سعيد بن العاص: ما شاتمت رجلاً مذ كنت رجلاً، لأني لم أشاتم إلا أحد رجلين إما كريم، فأنا أحق أن أجله، وإما لئيم فأنا أولى أن أرفع نفسي عنه.
وقيل : من سكت عن جاهل فقد أوسعه جوابا، وأوجعه عتاباً.
ولا يعني هذا أنك إذا وجدت أحدا يسب الرسول أو الصحابة، أو الدين أن تسكت، لا تسكت، و لكن أحسن الرد؛ قال أبو الهذيل: " بلغني أن رجلاً يهودياً قدم البصرة، وقد قطع وغلب عامة متكلميهم، فقلت لأبي امضي إلى هذا اليهودي كلمه، فقال يا بني قد غلب جماعة متكلمي البصرة، فقلت لا بد، فأخذ بيدي فدخلنا على اليهودي، فوجدته يقرر الناس الذين يكلمونه نبوة موسى عليه السلام، ثم يجحد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، فيقول نحن على ما اتفقنا عليه من نبوة موسى إلى أن نتفق على غيره فنقربه، فدخلت إليه، فقلت له أسألك أو تسألني، فقال يا بني أو ما ترى ما أفعله بمشايخك، فقلت دع عنك هذا، واختر قال بل أسألك، أخبرني أليس موسى نبياً من أنبياء الله قد صحت نبوته وثبت دليله تقر بهذا أو تجحده فتخالف صاحبك، فقلت له أن الذي سألتني عنه من أمر موسى عندي على أمرين أحدهما أني أقر بنبوة موسى الذي أخبر بصحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمرنا باتباعه وبشر نبوته، فإن كان عن هذا تسألني فأنا مقر بنبوته، وإن كان الذي سألتني عنه لا يقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر باتباعه ولا بشر به فلست أعرفه ولا أقر بنبوته وهو عندي شيطان مخزي، فتحير مما قلت له، فقال لي فما تقول في التوراة، فقلت أمر التوراة أيضاً عندي على وجهين إن كانت التوراة التي أنزلت على موسى الذي أقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهي التوراة الحق وإن كانت الذي تدعيه فباطل وأنا غير مصدق بها، فقال احتاج أن أقول لك شيئاً بيني وبينك، فظننت أنه يقول شيئاً من الخير فتقدمت إليه فسارني، وقال أمك كذا وكذا وأم الذي علمك لا يكني، وقد رأى أني أثب به، فيقول وثبوا علي، فأقبلت على من كان في المجلس، فقلت أعزكم الله أليس قد أجبته قالوا نعم، فقلت أليس عليه أن يرد جوابي، فقالوا نعم، فقلبت إنه لما سارني شتمني بالشتم الذي يوجب الحد، وشتم من علمني، وأنه ظن أني أثب به فيدعي أنا أثبناه، وقد عرفتكم شأنه فأخذته الأيدي بالنعال، فخرج هارباً من البصرة، وقد كان له بها دين كثير فتركه وخرج هارباً لما لحقه من الانقطاع " .
قال طراد بن محمد أن يهودياً ناظر مسلماً أظنه قال في مجلس المرتضي؛ فقال اليهودي إيش أقول في قوم سماهم الله مدبرين، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم حنين، فقال المسلم، فإذا كان موسى أدبر منهم، قال له كيف؟، قال لأن الله تعالى قال ولى مدبراً ولم يعقب وهؤلاء ما قال فيهم ولم يعقبوا، فسكت ".
و قال رجل من اليهود لعلي بن أبي طالب: ما دفنتم نبيكم حتى قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير، فقال له علي عليه السلام : أنتم ما جفت أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة .
و رأى رجل من الأعاجم رجلاً أعور، فقال قد حان خروج الدجال، فقال إنه يخرج من بلاد الأعاجم لا العرب.
وقيل تكلم شاب يوماً عند الشعبي، فقال الشعبي ما سمعنا بهذا، فقال الشاب كل العلم سمعت، قال لا، قال فشطره، قال لا، قال فاجعل هذا في الشطر الذي لم تسمعه، فأقحم الشعبي.
هذا فيما يتعلق بأمور الدين، أما إن عرفت من نفسك أنك تفسد الأمور فالسكوت أفضل في حالتك هذه .
قال الرسول (ًص)ً: من الكبائر شتم الرجل والديه, قالو: يا رسول الله هل يشتم الرجل والديه؟!, قال: نعم, يسب ابا الرجل فيسب اباه ويسب امه فيسب امه .. رواه مسلم
أما إذا كان الأمر خارج إطار الدين، فالأفضل أن تصمت، حتى و إن سب رجل والديك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من الكبائر شتم الرجل والديه " . قالوا : يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال : " نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه " . متفق عليه .
وإن أبيت إلا أن ترد، فكن ذكيا في الرد فلا تقول كلاما قبيحا أبدا.
وقال الحجاج لخارجي: والله إني لأبغضك، قال: أدخل الله الجنة أشدنا بغضاً لصاحبه.
في الحقيقة كان يستطيع أن يسكت، أو على الأقل يقول هداك الله .
وقال رجل لرجل إن لطمتك لطمة لأبلغن بك المدينة، فقال له فأحب إن تردفها بأخرى لعل الله تعالى أن يرزقني الحج على يديك .
روى يعقوب الشحام قال، وقف المهدي على عجوز من العرب، فقال لها ممن أنت فقالت من طيء، فقال ما منع طياً أن يكون فيهم آخر مثل حاتم، فقالت مسرعة الذي منع الملوك أن يكون فيهم مثلك فعجب من سرعة جوابها، وأمر لها بصلة.
قال أبو الحسن المدائني، قال بعض العلماء : كان لنا صديق من أهل البصرة وكان ظريفاً أديباً فوعدنا أن يدعونا إلى منزله، فكان يمر بنا، فكلما رأيناه قلنا متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، فيسكت، إلى أن اجتمع ما يريده، فمر بنا فأعدنا عليه القول، فقال انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون .
قال مروان لحبيش بن دلجة أظنك أحمق، فقال : أحمق ما يكون، الشيخ إذا عمل بظنه.
ووقفت امرأة قبيحة على عطار ماجن، فلما نظر إليها قال وإذا الوحوش حشرت، فقالت وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه.
لقي بعض الأكاسرة في موكبه رجلاً أعور فحبسه، فلما نزل خلاه، وقال تطيرت منك قال أنت أشام مني لأنك خرجت من منزلك ولقيتني فما رأيت إلا خيراً، وخرجت من منزلي فلقيتك فحبستني فلم يعد بعدها يتطير.
وقيل أن أميرا أنه منع أصحابه ما كان يصل إليهم، فقام إليه رجل، فقال أيها الأمير اتخذ جنداً من حجارة لا تأكل ولا تشرب، فقال له الأمير، أخسا أيها الكلب، فقال له الرجل، أنا من جندك فإذا كنت كلباً فأنت أمير الكلاب وقائدها.
وقال الصاحب بن عباد: ما أخجلني غير ثلاثة منهم أبو الحسين البهديني، فإنه كان في نفر من جلسائي، فقلت له وقد أكثر من أكل المشمش، لا تأكله فإنه يلطخ المعدة، فقال ما يعجبني ما يطب الناس على مائدته!، وآخر قال لي وقد جئت من دار السلطان وأنا ضجر من أمر عرض لي، من أين أقبلت فقلت من لعنة الله، فقال رد الله غربتك!، فأحسن علي إساءة الأدب، وصبي مستحسن داعبته فقلت لبيك تحتي، فقال مع ثلاثة أخر يعني في رفع جنازتي فأخجلني!.
دخل مخنث على العريان بن الهيثم وهو أمير المؤمنين بالكوفة، فقال يا عدو الله أتتخنث وأنت شيخ، فقال مكذوب علي كما كذب على الأمير أعزه الله، فاستوى جالساً، وقال وما قيل في؟، قال يسمونك العريان، وأنت صاحب عشرين جبة، فضحك وخلى سبيله.
برنارد شو حين قال له كاتب مغرور :انا افضل منك فانك تكتب بحثا عن المال وانا اكتب بحثا عن الشرف
فقال له برنارد شو على الفور:صدقت ..كل منا يبحث عما ينقصه
قال رجل لبرنارد شو : اليس الطباخ انفع للأمة من الشاعر أو الأديب؟؟
فقال : الكلاب تعتقد ذلك
فتعلم أن لا ترد الإساءة بالإساءة، و تذكر أن من سبك فهو يسب نفسه، و من يشتمك إنما يشتم نفسه، و تذكر دائما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد سب كثيرا، و هو من هو، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم ؟ يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد " .
أرأيت هذا المنهج في رد الإساءة، لم يلتفت إليها أصلا، بل حولها إلى نكتة !.
وبلغ عائشة رضي الله عنها أن أناساً يسبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فقالت: إن الله قطع عنهما العمل فأحب أن لا يقطع عنهما الأجر.
أرأيت كيف تصرفت أمنا عائشة رضي الله عنها؟!، لو كان أحدنا مكانها، فهل سيحسن التصرف هكذا؟!، فبوركت يا أمنا، و حقا أنت من بيت النبوة !!! .
وقال رجل يوماً لبهلول: يا مرائي!. فقال له البهلول: قد أخبرتها بذلك، يعني نفسه، فأبت علي ولم تقبل، فاجتمع عليها شهادتك وعلمي.
ما أجمل هذا الرد!، هل تستطيع أن تفعل ذلك؟ ، أرجو ذلك !
فلا تحزن إن سبك أحد أو شتمك، مهما كان شأنك ، فحتى الله تعالى! لم يسلم من السب و الشتم!، تخيل!؛ قال صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى :" شتمني ابن آدم و ما ينبغي له أن يشتمني و كذبني و ما ينبغي له أن يكذبني أما شتمه إياي فقوله : إن لي ولدا و أنا الله الأحد الصمد لم ألد و لم أولد و لم يكن لي كفوا أحد و أما تكذيبه إياي فقوله : ليس يعيدني كما بدأني و ليس أول الخلق بأهون علي من إعادته " .
سبحان لله تعالى، جل في علاه .
وكن كأبي ضمضم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "ألا تحبون أن تكونوا كأبي ضَمْضَم؟، قالوا يا رسول الله : ومن أبو ضضم ؟، قال: "إن أبا ضمضم كان إذا أصبح قال: اللهم إني قد تصدقت بعرضي على من ظلمني"، وفي رواية: "اللهم تصدقت بعرضي على عبادك".
كانت هذه بعض الأحاديث و المواقف التي يمكن لك أن تستفيد منها، وتأخذ منها العبرة و الفائدة ...
وتذكر دائما أنه ليس واجبا عليك أن تتكلم، فإذا كان لابد ان تتكلم فلا تتكلم إلا بالحق، والخير فقط !!!.
وإن حصل واعتذر إلأيك أحدهم بعد اسائته إليك افقبل اعتذاره حتى لو كان لا يقصد الاعتذار حقيقة ...
قال الشافعي :
اقبل معاذير من يأتيك معتذرا ... إن بر عندك فيما قال أو فجرا
لقد أطاعك من يرضيك ظاهره .....وقد أجلك من يعصيك مستترا
أرجو لكم السلامة ...